في 25 نوفمبر من كل عام ، نحيي اليوم العالمي لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهو دعوة للنساء لتقييم أوضاع النساء في العالم أجمع، وفرصة لإلقاء الضوء على الانتهاكات بكل أشكالها. إنه يوم للإعلان عن مستوى العنف المرتكب بحق النساء، ومناسبة لجميع الحركات النسائية التحررية لمراجعة ذاتها، لاسيما الحركات النسوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هذه المنطقة التي تشهد مستجدات سياسية وعسكرية وميدانية متداخلة مع الأزمات التي باتت صفة متلازمة لدول المنطقة عموماً.
تعيش النساء في ظل أنظمة شمولية استبدادية، تخنقهن أعراف دينية منحرفة وأحكام نيوليبرالية. وفي ظل الأزمات البنيوية، يعانين من العنف الأسري، والحرمان من التعليم، وانعدام التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وانتهاك و/أو سلب حقوقهن.
كما إن الأزمات والحروب التي تعصف بالمنطقة ليست ذات أبعاد سياسية أو عسكرية فحسب، بل هي أزمات اقتصادية ومجتمعية وفكرية بالدرجة الأولى، وقد تمخض عنها تصاعدُ العنف بكل أشكاله، بحيث باتت النساء ضحايا الحروب وأداة بيد كافة الأطراف المتنازعة، فيتعرضن حصيلة ذلك للاغتصاب والتحرش والعنف بجميع أشكاله. وتكفي الإشارة إلى أوضاع النساء في السودان والعراق وفلسطين وكردستان واليمن وسوريا، للتأكيد على ذلك.
تندرج قضية المرأة في المنطقة (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) في الدرجات الدنيا من القضايا، ولا تأخذ حقها الكامل من تسليط الضوء والاهتمام بمعالجتها. لذا، تتخبط المجتمعات والأنظمة على السواء في مستنقع المشاكل. ذلك أن حلول جميع القضايا العالقة مرتبط حتماً بحل قضية حرية المرأة، لأنها ركيزة القضايا الاجتماعية كافة، ومفتاح الحل لها جميعاً. وعليه، فمن دون معالجة جذور مفاهيم الثنائيات التسلطية مثل ( التسلط والاستعباد، هيمنة الأنا الذكورية المتغوّلة مقابل تشييء وتسليع المرأة، سيادة الذكورة المتسلطة والأنوثة الخانعة… والقائمة تطول)، لايمكن معالجة السلطوية الأبوية، ولا بناء ديمقراطية حقيقية قائمة على المساواة الفعلية بين الجنسَين.
في عصر الثورة التكنولوجية والعلمية والعولمة، خطَت البشرية خطوات لايستهان بها في الاكتشافات والاختراعات. مع ذلك، لاتزال النساء يعانين من تدهور أوضاعهن. بل وباتت المرأة هي المستهدف الأول في معمعان الحرب العالمية الثالثة الحالية. إن أرقام الإحصائيات والدراسات عن الانتهاكات بحق النساء مروّعة. حيث تقرّ تقارير دولية نافذة أن امرأة واحدة تقتل كل 10 دقائق على مدار العام. دول مازالت تناقش حق المرأة في التعليم، وأخرى مازالت تناضل من أجل تضمين أبسط حقوق المرأة في القوانين، وانشغلت النساء عموماً بالنضال ضد زواج القاصرات وحجاب الطفلات، إلى جانب موضوع الحرمان الغذائي وفقدان الأمن.
اليوم العالمي لمناهضة التمييز القائم على النوع الاجتماعي هو فرصة لتسليط الضوء أيضا على تجارب النضالات النسوية، ولا يسعنا هنا، كتحالف ندى (التحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي)، سوى أن نحيّي ذكرى المناضلات كافة في التاريخ، ونعترف بشجاعة أولئك اللواتي واجهن الانظمة الظالمة، وأولئك اللائي ما يزلن يكافحن من أجل حقوقهن وحرياتهن. إن النضالات النسوية اليوم تُظهِر مدى قوة النساء وقدرتهن على تغيير الواقع، وتؤكد على أنه بقدر الانحطاط المعاش تكون البطولة عظيمة. ما تحققه النساء اليوم له عظيم الأثر، بدءاً من محاربة النظام العالمي المبني على تراكم رأس المال والحروب، مروراً بمحاربة الدين السياسي السلطوي، ووصولاً إلى محاربة الارهاب بكل أشكاله، ومناهضة جميع المفاهيم والمعتقدات الذكورية البالية.
لذا، وباسم تحالف ندى، نقول: لنجعل من هذا اليوم منبراً لتوحيد الخطاب والهدف للنساء أجمع؛ لنكن متحدات في مطلب الحرية كخطّ أحمر لا تنازل عنه؛ لنهدف إلى تحقيق وتعزيز الديمقراطية كوسيلة أساسية لحل القضايا الاجتماعية؛ لنوحّد الكلمة بنظريات معمقة؛ لنوحد الإرادة والعزيمة بتنظيماتنا النسائية الخاصة؛ لنعتق أعناقنا من سيوف الذكورية؛ وليكن أمننا ودفاعنا عن أنفسنا بأيدينا نحن. ذلك أن امتلاك الوعي والتنظيم والدفاع عن الذات هي أسلحة استراتيجية بيد النساء في نضالهن التاريخي في ظل الحرب العالمية الثالثة الدائرة، ومن دونها، لا يمكننا ضمان أية منجزات أو مكتسبات، مثلما لا يمكننا تذليل العقبات التي تعترضنا.
كما نناشد جميع النساء والمنظمات والحركات النسائية بتعزيز التحالفات وتوطيد العلاقات وتبادل التجارب والخبرات تحت مظلة مشروع “الكونفدرالية النسائية الديمقراطية الإقليمية والعالمية”؛ وندعو الجميع للعمل المشترك والفعال، كي نرفع أصواتنا عالياً ومعاً لأجل بناء عالم بلا عنف، يسوده السلام والأمان، وتتمتع النساء فيه بكينونتهن وفق فلسفة الشعار العالمي: ” المرأة، الحياة، الحرية”.
لنستمر في النضال، ولنحقق التغيير الذي نسعى إليه!
الخلود لشهيدات كلمة الحق!
Jin, Jiyan, Azadî!
…24 نوفمبر 2024
تحالف ندى (التحالف النسائي الديمقراطي الاقليمي)