(تحالف ندى)
راضية حداد مناضلة حقوقية وسياسية تونسية، وأول رئيسة للاتحاد النسائي القومي التونسي عام 1958، وهي أول تونسية تنال عضوية أوّل مجلس نواب في تاريخ تونس عام 1959، وذلك بعد الفترة التأسيسية التي تلت استقلال البلاد، وتوفيت عام 2003.
نشطت في الأعمال الخيرية في أثناء الاستعمار الفرنسي لتونس وبعده، ومن بينها جمع التبرّعات في إطار حملة التضامن مع مساجين “الزندالة” السياسيّين عام 1947، وحملة تبرعات لفائدة الحي الزيتوني المتاخم لجامع الزيتونة المعمور في المدينة العتيقة بالعاصمة التونسية أواسط الأربعينيات من القرن العشرين.
عام 1952 انتمت راضية للحزب الدستوري الجديد، وأصبحت عضوة في لجنته المركزية خلال حكم الرئيس الراحل بورقيبة، ولكن معارضتها لسياساته جعلتها تُستبعد من جميع الرتب والمناصب السياسية عام 1973، وتُحال إلى القضاء بعدها بعام بتهم الفساد والإثراء غير المشروع.
المولد والنشأة
ولدت راضية بنت صالح بن عمار يوم 17 مارس/آذار 1922 في العاصمة تونس من عائلة برجوازية، وهي حفيدة العربي زرّوق من جهة الأم، وهو أحد رموز الحركة الإصلاحية في تونس بالقرن 19 ومن معارضي اتفاقية “باردو”، التي بموجبها دخلت تونس تحت الحماية الفرنسية.
كان والدها رجلا محافظا أسهم في العديد من الأعمال الخيرية ضمن جمعية الناصرية، وأشرف على بناء جامع في منطقة العمران “فرانس فيل” الخاضعة للإدارة الفرنسية آنذاك.
أما والدتها، فقد نشأت في وسط ديني محافظ من عائلة مقرّبة من الحكم الحسيني في عهد أحمد باشا باي.
تزوّجت عام 1940 من ابن خالتها حمّودة الحدّاد الموظّف الحكومي في إدارة ديوان الحبوب، وأنجبت منه ولدين هما بشير ومحمد، وابنتين هما نائلة وليلى، وتوفي لها 3 أطفال آخرون.
الدراسة والتكوين
تلقت راضية حداد تعليمها الابتدائي في المدرسة الفرنسية بمنطقة العمران “فرانس فيل” عام 1927، وكانت من الفتيات التونسيات القلائل اللاتي أتيحت لهن فرصة التعلم في تلك الفترة من تاريخ البلاد.
حصلت عام 1934 على شهادة ختم الدروس الابتدائية، لكن والدها (من شجّعها في البداية على الدراسة) تراجع عن تسجيلها بالمعهد الثانوي تحت تأثير بعض الأصدقاء والمقرّبين نظرا للمسافة البعيدة نسبيا التي تفصل البيت عن المعهد، ولكنه مقابل ذلك خصّص لها مدرّسا للغة العربية ليعلمها في المنزل.
تشبثت بحقها في التعليم، ولكن إصرار أسرتها على موقفها الرافض فكرة ارتيادها المعهد الثانوي جعلها تجد الحل البديل وتحرص على تعليم نفسها بنفسها بمطالعة الكتب لتكتسب ثقافة واسعة أهّلتها في ما بعد لتعتلي مناصب عليا في الدولة.
البداية مع العمل الخيري
بدأت التجربة السياسية والنضالية لراضية حداد عام 1945 إثر دعوة تلقتها من وسيلة بن عمّار -الزوجة الثانية للرئيس بورقيبة من 1962 إلى 1986- رفقة ثلّة من النساء المتعلّمات للتحرّك في إطار حملة لجمع التبرعات لتطوير التعليم في الزيتونة عن طريق بناء فصول ومبيت للطلبة.
عام 1947، طلب منها المشرفون على منظّمة الكشّافة الإسلامية (التي كان زوجها حمّودة حدّاد أمين مالها) المبادرة بتكوين أول فرقة كشفية نسائية، اتخذت في ما بعد اسم جمعية “حبيبات الكشّافة”، وتولت لاحقا الحداد رئاستها ونظمت أول مصيف نسائي في البلاد.
مع تصاعد وتيرة الكفاح الوطني لإخراج الفرنسيين من تونس، تولّت الحداد عام 1953 تنظيم حملة تضامن مع المساجين السياسيين في السجون الفرنسية، وكانت تنشط ليلا للهروب من المراقبة الأمنية للمستعمر، وتقوم بالتعريف بقضية “الزندالة”، وتجمع التبرعات لفائدة عائلاتهم ثم الإشراف على توزيعها وإيصالها.
الوظائف والمسؤوليات
عام 1952، انضمّت بصفة رسمية إلى الحزب الدستوري الجديد الذي كوّنه الحبيب بورقيبة، وكانت من بين الأعضاء الناشطين، حيث شاركت في العديد من الاجتماعات الحزبية التي كانت تقام بمقر قدماء المدرسة الصادقية.
بعد تجميد الاتحاد الإسلامي لنساء تونس نهاية عام 1955، قامت رفقة مجموعة نسائية بالبحث عن صيغة جمعياتية مختلفة تتسع لكل الفئات من النساء التونسيات من دون استثناء، وتقوم على الممارسة الديمقراطية في انتخاب المسيرين وإنجاز التقارير الأدبية والمالية للمحاسبة.
عام 1956، تم إنشاء الاتحاد القومي النسائي التونسي وتولّت راضية منصب نائب أمين المال، ثم تمّ انتخابها رئيسة للاتحاد النسائي التونسي لتبقى في هذا المنصب من عام 1957 إلى 1972.
انتصارها للقضايا المتعلّقة بمشاركة المرأة في الحياة السياسية واحتجاجها على عدم إشراك النساء في انتخابات المجلس القومي التأسيسي عام 1956 مكّنها عام 1959 من أن تكون أوّل تونسية تفوز بمقعد نائب في أوّل برلمان تونسي، وامتدّت فترتها النيابية 3 سنوات لتغادر المجلس عام 1962.
بفضل مثابرتها وتمرّسها بالعمل الجمعياتي والحزبي في الوقت نفسه، نسجت راضية حداد شبكة علاقات اجتماعية وتعرّفت على الفاعلين في العمل السياسي في تونس، وبذلك تمكّنت عام 1968 عن طريق التصويت من الانضمام إلى اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم وبقيت في منصبها حتى عام 1972.
قربها من مراكز القرار في تونس لم يثنها عن اتخاذ مواقف رافضة وناقدة لسياسات بورقيبة، ورغم إعجابها الشديد بشخصيته، فإنها عارضت بشدّة تجربة التعاضد التي وضعها أحمد بن صالح وزكاها بورقيبة، والتي امتدت من عام 1962 إلى 1969، مبدية اعتراضها على الأساليب التي اتبعها النظام في فرض هذه التجربة على الشعب التونسي.
في الخامس من فبراير/شباط 1972، وعلى خلفية المواجهات التي حدثت بين السلطة واتحاد الطلبة في تونس، عبّرت راضية الحداد عن رفضها السياسة الاستبدادية التي اتبعها النظام من القمع والسجن والإحالة التأديبية على الخدمة العسكرية، هذا الموقف اتبعته بإبداء تعاطفها مع الجناح الليبرالي في الحزب الاشتراكي الدستوري المتحفظ على منهج بورقيبة في تسيير البلاد.
منتصف عام 1972، بدأت التضييقات تطال راضية الحدّاد، مما اضطرها لتقديم استقالتها من رئاسة الاتحاد القومي النسائي التونسي، كما تم استبعادها من كامل المناصب السياسية داخل اللجنة المركزية للحزب الحاكم، من ثم اتهامها بالفساد والإثراء وتقديمها للمحاكمة عام 1974.
المؤلفات والإنجازات
أصدرت كتابا باللغة الفرنسية عام 1995 عنونته بـ”حديث امرأة” ضمّنته مسيرة نضالها من أجل المرأة التونسية.
في 13أغسطس/آب 2015 أطلق البرلمان التونسي اسم “راضية حداد” على قاعة الجلسات العامة القديمة في البرلمان، التي تمّت فيها المصادقة على دستور 1959، وجاء ذلك بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للمرأة التونسية.
أطلق اسمها على معهد الفنون بمنطقة العمران حيث ولدت ونشأت، وقعت تسمية أحد شوارع مدينة القيروان باسم راضية حداد.
الوفاة
توفيت يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2003 عن عمر ناهز الـ81 عاما.