نبويّة موسى.. رائدة التعليم والعمل الاجتماعي في مصر

(تحالف ندى)

من هي؟

نبوية موسى محمد بدوية ولدت في 17 ديسمبر/كانون الأول 1886 في الزقازيق، مصر والوفاة في 30 أبريل/نيسان 1951 في الإسكندرية بمصر، وهي مصرية الجنسية. وهي أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا،  وأول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية.

تُعد نبوية موسى كاتبة ومفكرة وأديبة مصرية، وهي إحدى رائدات التعليم والعمل الاجتماعي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهي أول ناظرة مصرية، وكانت من رعاة الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية، وكانت من رائدات العمل الوطني وتحرير المرأة والحركات النسائية المصرية القرن الماضي. كانت المساواة شعار نبوية موسى؛ فلم تقبل أن تأخذ المرأة نصف راتب الرجل، فقررت دخول معركة البكالوريا -الشهادة الجامعية- لتتساوى مع خريجى المعلمين العليا، ولذلك أنشأت الحكومة لجنة خاصة لامتحانها ونجحت في النهاية.

نشأتها

ولدت نبوية موسى محمد بدوية في 17 ديسمبر 1886 بقرية كفر الحكما بندر الزقازيق، محافظة الشرقية. كان والدها ضابطًا بالجيش المصري برتبة يوزباشي، يمتلك في بلدته بمديرية القليوبية منزلًا ريفيًا كبيرًا وبضعة فدادين يؤجرها حين يعود لمقر عمله. ويشار إلى سفر والد نبوية إلى السودان قبل ميلادها بشهرين ولم يعد؛ فنشأت يتيمة الأب ولم تره كما تقول إلا في المنام. عاشت هي ووالدتها وشقيقها محمد موسى، الذي يكبرها بعشر سنوات، في القاهرة؛ لوجود أخيها بالمدرسة، واعتمدت الأسرة على معاش الأب وما تركه من أطيان. وفي طفولتها ساعدها شقيقها على تعلم القراءة والكتابة في المنزل، فتعلمت نبوية مبادئ القراءة والكتابة، وعلّمت نفسها مبادئ الحساب، وعلّمها أخوها اللغة الإنكليزية. ويُشار إلى تعلمها الكتابة عن طريق محاكاة النصوص المكتوبة. ولما بلغت نبوية الثالثة عشرة من عمرها تطلعت لاستكمال تعليمها، غير أنها لم تجد أية مساندة من عائلتها عند اتخاذها هذا القرار، وجاء بعض من ردود كبار العائلة لنبوية صادمة ومنها: «عيب، مش أصول بنات العائلات، سفور وقلة حياء». وقال لها عمها «البنت للغزل مش للخط».

تقدّمت للالتحاق بالمدرسة السنية للبنات بالرغم من معارضة أسرتها. ذهبت نبوية سراً إلى المدرسة، متخفية في ملابس خادمة ثم تقمصت دور أم تسأل عن تعليم ابنتها فقالوا لها إنه يجب تقديم طلب مُوّقع بختم ولي الأمر حيث سرقت ختم والدتها، وكما تقول في كتابها «تاريخي بقلمي» لتقدم هي لنفسها بدلاً من وليّة أمرها، وباعت سوارًا من الذهب حتى تحمل المدرسة على قبول طلبها. وحصلت في النهاية على دبلوم المعلمات عام 1908، بعد أن قضت سنتين تحت التمرين في التدريس وثبتت في وظيفتها كمعلمة، وفي هذه الفترة بدأت تكتب المقالات الصحفية وتنشرها في بعض الصحف، مثل «مصر الفتاة» و«الجريدة».

التحقت «نبوية موسى» بالقسم الخارجي للمدرسة السنية في العام 1901 بالقاهرة، وحصلت على الشهادة الابتدائية في العام 1903، ثم التحقت بقسم المعلمات السنية، وأتمت دراستها في 1906، وعُينت معلمة بمدرسة عباس الأول الابتدائية للبنات بالقاهرة. ولما كان مرتب المعلمة الحاصلة علي دبلوم المعلمات السنية ستة جنيهات مصرية في الوقت الذي يُعين فيه خريج المعلمين العليا من الرجال بمرتب اثني عشر جنيهاً، احتجت لدى المعارف فأجابتها بأن سبب التفرقة هو أن متخرجي المعلمين العليا حاصلون على شهادة البكالوريا «الثانوية العامة»؛ فعقدت نبوية العزم على أن تحصل عليها واستعدت لها بمجهود ذاتي فلم يكن في مصر آنذاك مدارس ثانوية للبنات وتقدّمت لهذا الامتحان متحدية مستشار التعليم الإنكليزي دانلوب، فأثارت ضجة في وزارة المعارف باعتبارها أول فتاة في مصر تجرؤ على التقدم لهذه الشهادة. وفي نهاية المطاف، نجحت نبوية في الامتحان وحصلت علي شهادة البكالوريا في العام 1907 فكان لنجاحها ضجة كبرى، ثم حصلت على دبلوم المعلمات في العام 1908.

صدام

أثناء سفر والد نبوية إلى السودان، وانقطاع أخباره، تولّى الأخ الأكبر محمد رعاية شئون الأسرة؛ وتولّى تعليم شقيقته الصغيرة نبوية مبادئ القراءة والكتابة، واستطاعت بنباهتها تعلّم بعض من الإنكليزية وأبيات من الشعر. لكن حبّها للعلم، زاد من رغبتها في التعليم لتواجه أسرتها برغبتها في الالتحاق بالمدرسة السنية للبنات، وهنا بدأ الصدام. جاء بعض من ردود كبار العائلة لنبوية صادمة ومنها: «عيب، مش أصول بنات العائلات، سفور وقلة حياء». لكنها تحدت كل هذا، وصممت إلى أن وصل الأمر إلى «سرقة خاتم أمها الذهبي» لتكمل به مصاريف الالتحاق بمدرسة السنية بالقاهرة العام 1901، بعد أن كانت ابتاعت سوارًا لها لتقدمه مصاريفًا دراسية بالقسم الخارجي بالمدرسة، وبلغت المصاريف «سبعة جنيهات ونصف دفعة واحدة»، وقد ذكرت هذه التفاصيل بكتاب «حياتي بقلمي» الذي يحوي سيرتها الذاتية.

نجاح

من الطريف أن كلا من محمود فهمي النقراشي (باشا)، وعباس محمود العقاد كانا بين زملائها في الدفعة، وقد تقدّمت نبوية موسى عليهما في مادة اللغة العربية؛ حيث حصلت على 27 درجة في حين حصل الأول على 21.5 درجة، والثاني حصل على 26 درجة. وقد كانت نبوية موسى من العشرة الأوائل وسط 250 طالب في القطر المصري أغلبهم من الرجال. وفي هذا العام نجحت أربع فتيات فقط، ثم التحقت نبوية بالسنة الأولى في مدرسة معلمات السنية، وفي العام 1906 حصلت على دبلوم المعلمات، ثم عُينت مدرسة لغة عربية في مدرسة عباس الأول الأميرية بمرتّب أربعة جنيهات مصرية.

حياتها الوظيفية

كان عملها بالتدريس، بمثابة تدّخل سافر على عمل الرجال من وجهة نظرهم، فقد اعتبروها هادمة البيوت وقاطعة أرزاقهم، وصاروا يتصيدون الأخطاء لها، وينتقدون أداءها، ويطالبون بفصلها. وبالمخالفة لما يثار عن أنها كانت تؤازر الاحتلال الانكليزي، فقد استغل هؤلاء المعلمون مقالاتها في مطبوعة “مصر الفتاة” التي كانت تكتبها ضد الإنكليز تحت اسم مستعار، وأوصلوا نسخًا منها إلى ناظرة المدرسة التي تعمل بها. وعلى الرغم من أن ذلك أسس للخلاف بينهما، وكاد ليصل إلى حد فصل نبوية نهائيًا من وزارة المعارف لأن القواعد تحظر على الموظفين الكتابة للصحف، لكن ثناء سعد زغلول باشا على كتاباتها ومقالاتها، كان سببًا في تحوّل موقف الناظرة.

في هذه الفترة بدأت نبوية تكتب المقالات الصحفية وتنشرها بعض الصحف المصرية مثل «مصر الفتاة» و«الجريدة». تناولت خلالها قضايا تعليمية واجتماعية وأدبية، كما ألفت كتابًا مدرسيًا بعنوان «ثمرة الحياة في تعليم الفتاة»، قررته نظارة المعارف للمطالعة العربية في مدارسها. وفي العام 1909، توّلت نبوية نظارة المدرسة المحمدية الابتدائية للبنات بالفيوم، وبذلك أصبحت أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية. نجحت نبوية موسى في نشر تعليم البنات في الفيوم؛ فزاد الإقبال على المدرسة، وبعد ثمانية أشهر من العمل تعرّضت لمتاعب ممن ينظرون إلي المرأة المتعلمة نظرة دونية؛ فرشحها أحمد لطفي السيد ناظرة لمدرسة معلمات المنصورة. وهناك نهضت نبوية بالمدرسة نهضة كبيرة حيث حازت المركز الأول في امتحان كفاءة المعلمات الأولية. كما انتدبت الجامعة الأهلية المصرية عقب افتتاحها العام 1908 نبوية موسى مع ملك حفني ناصف ولبيبة هاشم لإلقاء محاضرات بالجامعة تهتم بتثقيف نساء الطبقة الراقية.

تُعد الفترة فيما بين 1937 / 1943 من أزهى فترات نبوية موسى وأكثرها نشاطًا وحيوية وفاعلية، ففيها تعدّت الخمسين من عمرها، وقامت إلى جانب إدارة مدارسها في القاهرة والإسكندرية بالمشاركة في الأنشطة التربوية العامة والمؤتمرات التعليمية، كما ألَّفت رواية تاريخية باسم «توب حتب» أو الفضيلة المضطهدة، التي كانت تحتوي الكثير من المناقشات العلمية والأخلاقية، وبطلة هذه الرواية هي «توب حتب» رئيسة إحدى دور النظام التابعة لدير آمون حيث تدور أحداث الرواية. لكن نبوية كانت ترمز لمصر في حالتها الحاضرة. نشرت نبوية موسى أيضًا في هذه الفترة ديوانها الشعري، لأنها كانت شديدة الولع بالأدب والقراءة، وجاءت معظم قصائدها متعلقة بمناسبات.

مساواة

كانت المساواة شعار نبوية موسى؛ فلم تقبل أن تأخذ المرأة نصف راتب الرجل. لذا، قررت دخول معركة البكالوريا، وهي شهادة جامعية، لتتساوى مع خريجي المعلمين العليا وقد ألّفت الحكومة لجنة خاصة لامتحانها ونجحت في النهاية. وفي العام 1906 حصلت على دبلوم المعلمات، ثم عُينت معلمة لغة عربية في مدرسة عباس الأول الأميرية بمرتب أربعة جنيهات مصرية ترفع إلى ستة جنيهات بعد اجتياز مرحلة التمرين. وعندما وجدت أن خريجى المعلمين العليا يحصلون على ضعف هذا المرتب تقريبًا؛ تقدّمت باحتجاج إلى وزارة المعارف تدين فيهِ هذه التفرقة فجاءها الرد بأن تلك التفرقة ترجع إلى أن خريجى المعلمين العليا حاصلون على البكالوريا «الثانوية العامة». ولقد ألفت موسى كتابا مدرسيا بعنوان «ثمرة الحياة في تعليم الفتاة»، قررته نظارة المعارف للمطالعة العربية في مدارسها، كما انتدبت الجامعة الأهلية المصرية إثر افتتاحها العام 1908، نبوية موسى مع ملك حفني ناصف ولبيبة هاشم لإلقاء محاضرات بالجامعة تهتم بتثقيف سيدات الطبقة الراقية. قامت نبوية أيضًا بإنشاء مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم «الفتاة» صدر العدد الأول في 20 أكتوبر 1937، واستمرت المجلة بالصدور لمدة خمس سنوات. تسبب توجهها السياسي في عداء شديد مع حزب الوفد الذي ما إن تولى الحكم في فبراير 1942، حتى سارع للانتقام من نبوية موسى فأغلق مدارسها ومجلتها كما تعرضت للتفتيش والمحاكمة والاعتقال.

مؤامرة

استمر خصوم نبوية موسى في مؤامراتهم ضدها، واستطاعوا أن يقنعوا الإنكليز أن نبوية من الوطنيات المشتغلات بالسياسة فتم نقلها إلى القاهرة وأعيد تعيينها في المعارف بوظيفة وكيلة معلمات بولاق ثم تم ترقيتها في 1916 ناظرة لمدرسة معلمات الورديان بالإسكندرية. وظلت في هذه الوظيفة حتى العام 1920.

إصرار

في حين لم يكن لنبوية موسى عمل فعلي في الوزارة، أخذت موسى منحى آخر؛ حيث بدأت تكتب في الصحف وتنشر مقالاتها في جريدة الأهرام. انتقدت نبوية في مقالاتها نظم التعليم في وزارة المعارف الأمر الذي أثار ثائرة المستشار الإنكليزي للمعارف فمنحها إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر، واستغلت نبوية هذه الإجازة فسافرت إلي الإسكندرية العام 1920، ونجحت بالاتفاق مع أعضاء جمعية ترقية الفتاة في تأسيس مدرسة ابتدائية حرة للبنات في الإسكندرية تولت إدارتها وأثبتت كفاءة ونجاحًا كبيرين. كما قامت في العام 1920 بنشر كتابها عن المرأة والعمل دافعت فيه عن حقوق المرأة، وشاركت أيضاً في الحركة النسائية وسافرت ضمن الوفد النسائي المصري إلي مؤتمر المرأة العالمي المنعقد في روما العام 1923، وأثار ذلك خصومها فتم نقلها إلى القاهرة بوظيفة كبيرة مفتشات.

في العام 1926 شنت «نبوية موسى» هجوماً قاسياً على وزارة المعارف وعلى الوزير مطالبة بتعديل برامج الوزارة، وقصر عمليات التفتيش في مدارس البنات على النساء فقط دون الرجال أو حتى النساء الأجنبيات (الغربيات). ولما لم تجد نبوية جدوى من شكواها قررت تصعيد المسألة إلى الرأي العام المصري؛ فكتبت في جريدة السياسة اليومية مقالاً تحت عنوان «نظام تعليم البنات في إنكلترا ومصر». لكن الوزارة لم تستجب لمطالب نبوية، وأصرت الأخيرة على موقفها على ذلك أصدر علي ماهر قراره بإيقاف نبوية موسى من الخدمة وصدر القرار بفصلها من عملها بالمدارس الحكومية، لكن القضاء أنصفها وأعاد لها اعتبارها، وقرر أن تدفع لها وزارة المعارف مبلغ خمسة آلاف وخمسمائة جنيه تعويضًا لها عن قرار فصلها من الخدمة. بعدها، انصرفت نبوية موسي منذ إنهاء خدمتها بالمعارف العام 1926 إلى الاهتمام بأمور التعليم في مدارسها الخاصة فارتفع شأن مدارس بنات الأشراف بالإسكندرية، وأنفقت مبلغ التعويض الذي حصلت عليه من المعارف علي تطويرها فأصبحت من أفضل المدارس بناء وتجهيزاً وإعداداً وإدارة وتعليماً. ثم افتتحت فرعاً آخر لمدارسها بالقاهرة واستمرت أيضاً في تطويره وتوسيعه حتى أصبح مدرسة ومقراً لإدارة جريدتها التي أنشأتها بعد ذلك. وقد أوقفت مبنى مدرسة بنات الأشراف في الإسكندرية وقفا خيريا لوزارة المعارف عام 1946.

أنشطة متنوعة

إلى جانب إدارتها للمدارس قامت نبوية موسى بإنشاء مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم الفتاة، كما شاركت في كثير من المؤتمرات التربوية، ولها بعض المؤلفات الدراسية التي قررتها وزارة المعارف، وكان لنبوية موسى نشاط اجتماعي كبير من خلال الجمعيات والمؤتمرات النسائية على المستويين المحلي والعالمي. وأيضًا قامت بتأليف رواية تاريخية باسم «توب حتب» أو «الفضيلة المضطهدة»، ونشرت أيضًا في هذه الفترة ديوانها الشعري، وقد عرضت حياتها كاملة في كتاب «تاريخي بقلمي». ومن ضمن الأسباب التي تجعل كتاب «تاريخي بقلمي» جديرًا بالقراءة أيضًا هو أن ملتقى المرأة والذاكرة– الذي قام بنشر هذا الكتاب- قد واجه صعوبات كثيرة في تقديمه للناس، فهو لم يتوفر في المكتبات الأكاديمية اللهم إلا «متحف التعليم في معهد البحوث والدراسات التربوية». شاركت موسى في تأسيس الاتحاد النسائي المصري والعديد من الجمعيات النسوية.

أفكارها

تبنت «نبوية موسى» العديد من الأفكار السياسية التي كانت أقرب إلى فكر النخبة من حزب الأمة وحزب الأحرار الدستوريين؛ فبالنسبة لنظام الانتخاب الذي هو أساس الليبرالية السياسية النابية، ترفض نبوية موسى بشدة نظام الانتخابات المباشرة التي تعطي 85 % من الأميين حق البت في مسائل ومشكلات عويصة على فهمهم، وتدعو إلى تعديل نظام الانتخابات ليصبح على درجتين. من ناحية أخرى، هاجمت نبوية موسى الحكم الدستوري في مصر موضحة أن الحكومات الدستورية في البلاد العريقة في أصول الدستور قد تقيد البلاد كثيرًا، وكانت تدعو نبوية إلى الحكم الدكتاتوري لأن الوزارات البرلمانية ضعيفة.

اقتصاد

أما في الجانب الاقتصادي، فإن نبوية موسى كانت من أنصار حرية المشروع الخاص. ولذلك ذهبت إلى أن تركيز الأعمال في يد الحكومات خطر على مال الدولة وسعادة الشعب، وانتقدت بشدة أسلوب الحكومات في التدخل في الأمور الاقتصادية وإدارة ذمة المشروعات الإنتاجية وقصورها عن تأدية ذلك بالمستوى نفسه، الذي يؤديه أفراد الشعب وجماعاته في أعمالهم الخاصة.

شعار تمكين المرأة

ربطت نبوية موسى بين تقدّم الأمم ووضع المرأة، وذهبت إلى القول إن تقدم المرأة هو سر تقدم الأمم، وقارنت بين حضارة الرومان المتقدمة وحضارة الهنود المتأخرة؛ وأرجعت ذلك إلى أن الرومانيين كانوا يهتمون بشأن المرأة ويسعون إلى تحريرها، أما الهنود فكانوا يبالغون في استبعادها.

وعن الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة، ذهبت «نبوية موسى» إلى أن الرجال قد غالوا في تعداد الفروق الكثيرة بين الرجل والمرأة حتى كاد الإنسان يظنها نوعين متباينين، مع أن قوانين الطبيعة الثابتة تبين أنه لا اختلاف بين الذكر والأنثى إلا في مسألة التناسل، ودافعت أيضًا «نبوية موسى» عن حق المرأة في العمل، وتساءلت لماذا رضي الرجال للفتاة أن تكون ممرضة ومولدة تخالط الأطباء وتخضع لهم، ويتحكمون فيها ما شاءوا. وتصدت «نبوية موسى» للقول بأن عاداتنا الشرقية لا تسمح للفتاة بالعمل، وطالبت بحق المرأة في العمل؛ لأن المعارضين لعمل المرأة يتجاهلون ما يرونه من حولهم، فالبائعة المصرية تئن تحت عبء ثقيل من الفاكهة والخضروات وتتقاذفها الطرقات، ويتناولها سفهاء لرجال بأنظارهم. فالمرأة في مصر من نظرها تشقى شقاءً حقيقيًا والمصرية ليست ممنوعة من جميع الأعمال الشاقة، وهذا ما يدل على أن المرأة مدفوعة بحكم الضرورة إلى العمل، وعلينا أن نعلمها عملًا مريحًا، فقد قامت بتلك الأعمال الشاقة المتعبة، التي لا تحتاج إلى تعليم فلم تمنع النساء عندنا إلا من الأعمال الراقية فقط التي تحتاج إلى خبرة ودراية ويدفعن إلى العمل الشاق المتعب الذي لا كسب فيه إلا الكفاف. وبالتالي، إن ما كتبته نبوية موسى على مدى تاريخها لا يضعها كرائدة تعليم فقط، بل يفرد لها مكانا واسعا في النهضة النسائية. واصلت نبوية دفاعها عن المرأة في شتى حركتها وصورها كأُمّ أو كعاملة أو كزوجة، ولها مقال مجيد كتبته في الصحيفة التي تجاهلها جميع من بحثوا في تاريخها، وهي صحيفة «البلاغ» الوفدية، والمقال منشور في 19 أغسطس عام 1927، وعنوانه «حماية المرأة». قالت نبوية في مستهل هذا المقال: «ما كنت لأهتم وأنا مصرية أحب بلادى أكثر من حبى لبنات جنسى من النساء بمسألة المرأة والدفاع عن حقوقها لو لم أعتقد أن رقىّ البلاد لا يتم إلا بها وأن الدول إنما ترتفع أو تنحط برفعة المرأة وانحطاطها وهي حقيقة يشهد بها التاريخ في جميع أدواره»، ولكن مع الأسف غابت صورة نبوية الحقيقية عن فضليات النساء الجادَّات في هذا المجال. وكذلك لنبوية ديوان من الشعر يصنفها كأديبة وشاعرة مجيدة، وكذلك لها قصص قصيرة مكتملة كتبتها في عام 1911 تضعها كإحدى رائدات القصة القصيرة، بل كذلك كتبت مسرحية بديعة عام 1932، التي استلهمتها من الحياة المصرية القديمة، وقد تم نشرها في المجلس الأعلى للثقافة في بدايات القرن 21.

الحجاب

قالت نبوية موسى، إنه لا يمكن أن تقوم المرأة بأعمال نافعة إذا كانت تحت ضغط الحجاب، الذي كان معروفًا فيما مضى، ولهذا لم أضع على وجهي هذا الحجاب، الذي نص عليه الشرع، وبذلك اعتبرت نبوية موسى نفسها من أنصار السفور، لكنها خشيت أن تتكلم فيه أو تدعو إليه أو تعلن أنها من أنصاره فتلقى ما لقيه قاسم أمين من اتهامات بالرغبة في المجون والعربدة والانحلال؛ حيث اعتبر «قاسم أمين» أن أول خطوة في سبيل حرية المرأة هو تمزيق الحجاب ومحو آثاره.

تعليم البنات

دعت نبوية موسى إلى تشجيع التعليم الأهلي للبنات؛ لأن الأمة لا تنتج إلا إذا كانت نشيطة عاملة، ولا تكون نشيطة مادام نصفها أشل لا حياة فيه، فهو بمعزل عن أعمال الدنيا. أصبحت نبوية موسى من أصحاب المدارس الأهلية العام 1920، وعُرفت مدرستها باسم مدرسة البنات الأشراف، وأصبح لها سمعة وشهرة كبيرة، وأصبحت مصروفاتها أكثر من مصروفات المدارس الأميرية وزاد الإقبال عليها. ثم قررت نبوية موسى أن تمد نشاطها من الإسكندرية إلى القاهرة، وكان لها مبنى مناسب في شارع العباسية ووسعت من هذا المبنى وجعلته لائقًا وزودته بالأدوات التعليمية اللازمة، وبذلك أصبحت مدارس بنات الأشراف في الإسكندرية والقاهرة من أكبر المدارس الأهلية الحرة للبنات في مصر آنذاك. طالبت نبوية موسى بتوحيد مناهج التعليم لكل من البنين والبنات، لأن المرأة كالرجل عقلًا وذكاءً، فما يصح في تنمية عقله يصح أن ينمي عقل المرأة، ويرى إدراكها عند غرس المعارف العمومية وتربية إدراك الأطفال، ولا بأس بعد ذلك أن يستعد كل منهم لعمله الخاص.

واهتمت نبوية اهتمامًا خاصًا برياض الأطفال، ودعت إلى الاهتمام بأدب الأطفال، فالمطالعة لها تأثيرها الحسن في الأخلاق والمعارف، ولهذا كان أفضل المدارس ما اجتهد معلموها في تنمية حب المطالعة والبحث في نفوس الأطفال، ليستفيدوا إذا كبروا ما يغرس في نفوس التلاميذ في حب المطالعة والكتب والولوع بالبحث والكشف عن الحقيقة.

الزي

ورغم أنّ نبوية كانت مُحافظة في زيها، وظلتْ طوال حياتها تـُغطى شعرها وترتدى الكرافيت الرجالي، وتفضَل اللون الأسود لردائها الخارجي، نجدها تكتب رأيها عن سفور المرأة كما ورد في كتابها «تاريخي بقلمي» قائلة: «أردتُ السفور فلم أكتب عنه، مع إنى قرأتُ كتب المرحوم قاسم أمين وأعجبتُ بها، فالعادات لا تتغير بالقول، لهذا عوّلتُ على أنْ أدعو للسفور بالعمل لا بالقول، فكشفتُ وجهى وكفىّ». ولأنّ المناخ السائد كان لا يزال مناخ الانعتاق من عصور الظلمات، فلم يكن غريبًا ما حدث معها عندما ركبتْ الترام، فسألتها إحدى السيدات: «هوّ إنتى مسيحية؟»

الصوم

 رغم تدّين نبوية الشديد، فإنها امتلكتْ جرأة مخالفة أحد الشيوخ في موضوع الصيام، حيث قال إنّ من فوائد الصيام تحسين الصحة. فعارضته في ذلك وكتبتْ: “إنى أومن بكل فوائده الأدبية والدينية. أما أنْ نصوم لتصح أجسامنا فهو ما لا أستطيع أنْ أومن به، لأنّ الغربيين وهم قوم مسيحيون لا يصومون رمضان ومع ذلك فهم أصح أجسامًا منا.

الزواج

وعن الزواج كتبتْ نبوية: «أنا أكرهه وأعتبره قذارة. وقد صمّمتُ أنْ لا ألوّث نفسى بتلك القذارة». وأضافت: «انصرفتُ عن الزواج بتاتًا. ثم شاء الله أنْ تزداد فكرتى رسوخًا ووضوحًا، فسمعتُ رجلًا يتشاجر مع امرأة في الطريق ويقول لها ما معناه: امرأة مثلك أقضى في جوفها حاجتى. شرحتْ لى تلك الكلمة ما هناك. وكرهتُ أنْ يقف منى رجل ذلك الموقف القذر المُريع. لهذا كنتُ أكره أنْ أسمع (عن) الزواج في شبابي. أما بعد أنْ كبرتُ فقد أصبح مجرد هذا الاقتراح سبة، لا يشتمنى أحد بأقبح منها». لهذا عاشت وماتت 1951 آنسة بالرغم من أنه تقدّم لخطبتها ثلاث عرسان.

تناقض

ففي الوقت التي تتحدث فيه نبوية عن العلمانية مؤكدة أن الدين لله والوطن للجميع نجدها تتناقض مع نفسها بشدة عندما ترفع شعار الدولة الدينية، وتدعو إلى ترسيم الملك فاروق خليفة للمسلمين. وفي الوقت الذي تدعو فيه نبوية موسى إلى تحرر المرأة ترفض بشدة أن يتساوى الفقير بالغني حتى في أبسط الحقوق الإنسانية، كحق الرعاية الاجتماعية للأطفال المشردين وحق التعليم للفقراء.

إنجازاتها

أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية، ونجحت في نشر تعليم البنات في الفيوم فزاد الإقبال على المدرسة. وعندما افتتحت الجامعة الأهلية المصرية (1908)، انتدبت مع ملك حفني ناصف، ولبيبة هاشم، لإلقاء محاضرات لتثقيف سيدات الطبقة الراقية، كما أنها كانت تقوم بتدريس اللغة العربية للمعلمات الإنكليزيات. انضمت لمظاهرة النساء في 1919 بجانب صفية زغلول وهدي شعراوي.

وافتتحت مدرسة، وأسمتها مدرسة بنات الأشراف الابتدائية الثانوية بالإسكندرية، ثم بالقاهرة، وقد أوقفت مبنى مدرسة بنات الأشراف في الإسكندرية وقفًا خيريًا لوزارة المعارف (1946).

وأصدرت في الإسكندرية مجلة باسم «ترقية الفتاة» في يونيو (1923)، ثم أنشأت مطبعة ومجلة نسائية باسم «الفتاة» في أكتوبر (1937)، وتوقفت عن الصدور عام (1943)، وكانت من قبل ومن بعد تنشر مقالاتها في الصحف مثل «المؤيد»، وجريدة «مصر الفتاة».

كما مثّلت مصر مع هدى شعراوي وسيزا نبراوي في المؤتمر النسائي الدولي بروما (1920)، وأثار ذلك خصومها فتم نقلها إلى القاهرة بوظيفة كبيرة مفتشات.

وأطلق اسمها على إحدى المدارس الثانوية التجريبية للبنات في مدينة الإسكندرية. وشاركت في تأسيس الاتحاد النسائي المصري. وحصلت على الشهادة العليا من مدرسة الحقوق.

إنتاجها الشعري

كتبت نبوية ديوان شعري عنوانه: «ديوان السيدة نبوية موسى»، مطبعة مجلة الفتاة، القاهرة، مايو 1938.

مؤلفاتها

كتاب مدرسي بعنوان: «ثمرة الحياة في تعليم الفتاة»

«المرأة والعمل»، القاهرة 1939.

«تاريخي بقلمي»، منشورات المرأة والذاكرة، القاهرة 1999.

العديد من المقالات التي تناولت قضايا تعليمية واجتماعية وأدبية، نشرتها صحف عصرها.

قصائد في رثاء زعماء الأمة العربية، وشخصياتها البارزة، وتحتل ثورة سعد زغلول (1919) بأحداثها وزعمائها مساحة غير قليلة من ديوانها. وصفت شعرها في مقدمة ديوانها قائلة: «وتكاد قصائدي تكون مجمل تاريخ لأول أدوار تعليم البنات في مصر، وقد ضمّنتها جزءًا عظيمًا مما كان في الحركة الوطنية… لهذا أقول: إن ديوان أشعاري – إن جاز لي أن أسميه كذلك – ليس كدواوين الشعراء كله خيال، بل هو تاريخ إجمالي للحركة الوطنية والنهضة النسائية في مصر».

وفاتها

توفيت في 30 إبريل 1951 تاركة سجلا حافلا بالذكريات واستحقت عن جدارة لقب رائدة تعليم الفتيات المصريات. شاركت موسى في تأسيس الاتحاد النسائي المصري والعديد من الجمعيات النسوية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.