(تحالف ندى)
من هي؟
من موالید 1937 وتوفت 2009، نالت دبلوم إحصاءات في علوم الرياضيات من مركز دراسة الرياضيات الفرنسية. بدأت في ميدان تعليم الرياضيات في الصفوف التكميلية في المدارس الخاصة منذ عام 1955 لغاية 2004. أسست و مع زميلات لها «التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، حيث كانت في البداية نائبة للرئيسة عام 1976، وتولت عام 1978 رئاسة التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني» وظلت رئيسته حتى رحيلها. عام 1990 حتى العام 1996كانت عضو في الهيئة الادارية في المجلس النسائي ورئيسة لجنة الاعلام. عام 1996 كانت عضو في الهيئة الادارية للجنة الاهلية لمتابعة قضايا المرأة. عام 2003 كانت عضو مؤسس للشبكة النسائية اللبنانية.
أما في مجال النشاطات النقابية فقد ترشحت عام 1961 لانتخابات مجلس نقابة المعلمين في لبنان وأصبحت عضوة فيه لغاية 2004. مثلت نقابة المعلمين في مكتب المعلمين في لبنان الذي يضم الهيئات النقابية التعليمية في المدارس الرسمية والخاصة. ومثلت نقابة المعلمين في الهيئات التنسيقية النقابية على مستوى لبنان. كما ساهمت في عدد من المؤتمرات في إطار اتحاد المعلمين العرب، كذلك مثلت نقابة المعلمين بمؤتمر الفرانكوفون. وكانت عضو في المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
تكريم
خلال حفل تكريمها من قبل التجمع النسائي الديموقراطي، وُضعت وداد شختورة، الانسانة والتربوية والنقابية والمناضلة من اجل حقوق المرأة، تحت الضوء. من يعرفها من رفاق الدرب يدرك جيدا انها لا تحب حفلات التكريم، ولم تتحول يوما “حالة اعلامية”.
غير ان من عايشها واحبها يشعر بأن من أقل الامور أن تكرم تلك السيدة التي بقيت حتى آخر لحظة من حياتها، رغم مرضها المفاجئ، صلبة ومتماسكة، لا تتكلم عن نفسها انما عن رؤيتها إلى كيفية اكمال العمل من أجل تقدم اوضاع المرأة في لبنان. فعلى فراش الموت كانت تقول “انا لست مهمة، المهم هو اكمال المسيرة”. والمسيرة تقضي بالعمل الحثيث لتعديل قوانين الاحوال الشخصية، فوداد شختورة كانت تؤمن بان تحرر المرأة يبدأ من الحيز الخاص.
“لا تستسلمي للعنف، اخرقي جدار الصمت” شعار لحملة التجمع النسائي الديموقراطي، من ضمن شعارات وملصقات اخرى معلقة في بهو قاعة الاجتماعات، اضيفت اليها صورة لوداد شختورة مبتسمة. وداد التي أسست هذا التجمع، وغيّبها الموت في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، لا زالت حاضرة في اعمالها وفي ضمير من عايشها. وعلى رغم ان غيابها لا يعوض، وفق القيمين على التجمع، يبدو ان حال تضامن كبيرة يعيشها المنضوون تحت لوائه، وهناك اصرار على اكمال المسيرة والمضي قدما في هذا الخط “حتى نحافظ على خطاب علماني ديموقراطي وان لا نتراجع الى ما هو سائد”، “كانت وداد نقطة ثقة وتوازن في التجمع ناتجة عن خبرة”، “نعتقد اننا نحتاج الى وقت حتى يبني التجمع شخصا بمواصفات وداد”.
ولكونها ولدت في 8 آذار /مارس كان اصدقاؤها يحتفلون لها بعيد ميلادها بالقول “عيدك 3 بواحد”، فهو يصادف أيضا عيد المعلم، وفيه أصبح يحتفل بيوم المرأة العالمي. ميادين عدة تقاسمت وداد العمل فيها، ربط بينها الشغف بالعمل على تحقيق العدالة وحقوق الانسان، فمن التعليم إلى العمل النقابي والحزبي ثم العمل من اجل قضايا المرأة. ما تميزت به في سلوكياتها العامة، يقول من عايشها وتعامل معها من الحركة النسائية، هو تواضعها الشديد وقدرتها على اتخاذ المواقف واحساسها بالآخرين. وما يميز شخصيتها انها امرأة اشتراكية يسارية منحازة إلى قضايا العمال والمهمشين. بهذا المعنى ظلت هذه النفحة الانسانية مسيطرة في كل نواحي عملها. وما يميزها ايضا أنها من القلائل في الجمعيات التي نشأت قبل الحرب شجعت الصبايا والشباب واعطتهم حيزا واسعا من الحركة. دخلت إلى اليسار من باب وعيها للقضايا الانسانية واحساسها المرهف، وهي ابنة عائلة “مرتاحة” تعلم ابناؤها وبنى أغلبهم مستقبلهم خارج لبنان. وداد شختورة لم تكن تتكلم عن نفسها وعندما كانت تسأل عن احوالها كانت تقول “ما تعتلو همي انا مأمني حالي”.
حالة ميدانية
تقاعدت وداد في العام 2005 من التعليم. ولكنها زادت وتيرة عملها في الحركة النسائية. كانت تقول “كسبت ساعة واحدة بعد التقاعد، فبدل أن اسرع في الخروج صباحا من المنزل إلى المدرسة اصبح في امكاني أن اتأخر ساعة اضافية قبل أن اتوجه إلى التجمع”.
كانت تؤمن ببناء الكادرات ولم تكن تعمل لتبرز هي. وما يميزها، وفق العاملين معها في التجمع، انها لم تكن الشخص الوحيد البارز فيه. وقد بذلت جهدا لبناء قيادات، واعطت ادوارا “وكنا من أكثر الجمعيات التي لديها وجوه ناشطة في الحركة النسائية”. لم تكن تحب البروز وتهرب من التكريم، فكانت دائما تعتبر أن التكريم هو بتحقيق الانجازات. كانت الأنا غائبة لديها ولم تتحدث يوما عن حالها أو عن حياتها الخاصة.”علمتنا ان نعمل على ابراز الـ “نحن” بدل الـ “انا”. واعطاء مساحة اكبر للحيز العام على الحيز الخاص”. هكذا لم تتحول وداد شختورة نجمة من نجوم الشاشات أو سيدة صالونات، ولم يصبها جنون العظمة، بل ظلت تتنقل بين المناطق لإحياء ورشات التدريب والتحدث عن قضايا المراة المحقة كانت تعمل على الأرض، ولم تكن “حالة اعلامية” انما “حالة ميدانية” تشهد لها النساء والمعلمون في بقع مختلفة من لبنان.
مثاليتها واقعية
يصفها من يعرفها بأنها حقيقية من دون تصنع ومتواضعة من دون مبالغة. المنطق غالب لديها. كيف لا وهي مدرسة الرياضيات، فكانت تبتعد عن التنظير وتتعاطى مع الوقائع بمنطق. هكذا حكم المنطق نهج حياتها من التعليم إلى العمل النقابي حيث كانت الارقام والوقائع تشير إلى غبن لاحق بطبقة المدرسين، إلى العمل المدني حيث المعطيات أيضا تشير إلى غبن لاحق بالمرأة. مثاليتها واقعية إذ كانت تعتبر أن المثالية قد تقود إلى الخيبة اما المنهجية الواقعية التي تستلهم المثل العليا فهي الطريق الصحيح إلى تحقيق النجاح. وقد ادركت أنها عبر التعليم هي لا تتعاطى مع ملفات جامدة او مادة جافة فقط انما تتعامل مع اناس سيكون لها بصمة في التاثير عليهم. كانت قابلة للتنوع وتعدد الآراء وكانت ايضا قادرة على التعبير عن موقفها من دون مساومة ومن دون عدائية او معاداة. وكان هدوءها يخفي القدرة على الحسم. كانت امراة صلبة ولينة في الوقت عينه. تستمع وتناقش وتتقبل الرأي الآخر ولكنها قادرة على الحسم. كانت تجمع مواصفات صعب جمعها تشعرين بحنيتها ودفئها حتى لو كانت قاسية معك. و في العلاقة اليومية معها تشعرك وداد بانها تريد لجميع العاملين معها ان يطوروا قدراتهم ويستفيدوا من فرص التقدم. يقول من عايشها في التجمع انها “ساهمت في تشكيل وعينا وتفكيرنا وكانت تعمل معنا على بناء منطقنا وحججنا حتى نستطيع ان ندافع عن قضايانا. وكانت تركز في عملها معنا على بناء فكرنا النقدي.”
نحو حركة اجتماعية مطلبية
وما يميز وداد عن غيرها في الحركة النسائية هو خلفيتها النقابية والعمل النقابي والمطلبي. فعندها أن الحركة النسائية لن تحقق مكتسبات ما لم تتحول حركة مطلبية ضاغطة. وهذه الحركة يجب أن تضم نساء من الفئات كافة، حتى يكون لديهن القدرة على الضغط على صناع القرار لإحداث التغيير. فالحركة النسائية لا يجب أن تكون نخبوية. آمنت بالتعدد والتنوع والهامش الحر للحركة، إلا أنها كانت تعتبر ان تحقيق المكتسبات لن يتم ما لم تتوّحد المطالب وان تعددت النشاطات. اعتبرت ان تحقيق المساواة ما بين الجنسين يجب ان يمر حتما بالنهوض بأوضاع النساء الفقيرات المهمشات والمتوسطات الحال، اذ ان النخب لا تُحدث الفرق في العمل المطلبي. كانت امرأة ناشطة سياسيا، مكّنتها رؤيتها السياسية من ربط المشكلات ضمن الحركة النسائية بالسياق العام السياسي، لذا كانت تعتبر ان مشكلة المرأة في لبنان مرتبطة في شكل اساسي بتعديل قوانين الاحوال الشخصية الذي يصطدم بالنظام الطائفي. كما ان النساء لا يمكنهن ان يخرقن النظام من دون حراك ديموقراطي. وما ميّزها عمق تحليلها للمشكلات الاجتماعية بطريقة مرتبطة بالوضع العام. ما اسهم في تطوير فكر وآلية عمل شختورة تمرسها في العمل النقابي الذي أتى بها إلى العمل الحزبي في منظمة العمل الشيوعي ومنه انطلقت إلى العمل النسائي.
أحلام واقعية
وداد شختورة الحزبية كانت تعرف كيف ترسم الخط الفاصل ما بين انتمائها الحزبي وعملها العام الذي اتخذ اكثر من وجه للالتزام واكثر من اطار تفاعلي. فكانت في مواقع العمل الديموقراطي والنسائي تطرح الاشكاليات بنفس سياسي، ولكن من دون ان تتكلم بمصلحة فئوية للحزب الذي تنتمي اليه. كانت من موقعها السياسي تطرح مشكلات المعلمين والنساء والفئات الاجتماعية الاخرى وفق مصالح هذه الفئات ووفق رؤيتها السياسية للحل وليس وفق رؤية الحزب. كانت تتميز برؤيتها السياسية دون فئوية ومصلحة حزبية. مَن تعرّف إلى وداد ادرك جيدا إنها صاحبة احلام كبيرة “فبقدر نقاشنا معها كنا نستشف أنها صاحبة حلم واقعي وقابل للتحقيق”. وكانت تؤمن بأن ما من مستحيل في حال عرفت الحركة النسائية أن تراكم جهودها وتستثمرها في الاتجاه الصحيح، لذا عندما بادرت الى اطلاق الشبكة النسائية كانت تهدف الى التشديد على فكرة إنه” كلّما استطعنا ان نراكم سويا انجازات سنتمكن من بناء الحركة النسائية كحركة اجتماعية قادرة على التغيير.”
مسار حياة
لم تكن شختورة تحب الفشل، ولا حتى استعمال هذه المفردة في التعبير ففي عقلها انه ليس من تجربة فاشلة انما هناك مساع غير ناجحة. وكانت تنظر بايجابية إلى الامور، فالشبكة النسائية التي عملت على تشكيلها اعتبرتها مجالا لتطوير النقاش والرؤية. لم تكن تذكر كلمة فشل إنما عدم نجاح. وكانت تردد صحيح اننا لم نستطع إلى الآن تغيير القوانين المجحفة بحق المرأة، انما استطعنا ان نغير اتجاهات الناس وأن نزيد من وعيهم. وكانت ترد عدم النجاح الى المأزق السياسي الذي يمر فيه البلد. فعندها ان النظام الطائفي لا يمكن ان يقدم انجازات للنساء. كانت لديها طاقة وايمان، ولكنها لم تتوهم التغيير. أما تقويم العمل، فهو من اكثر الامور التي تهمها وقد اعتمدت هذا المنهج في تقويم عمل التجمع النسائي الديموقراطي”. ولم تكن تفكر أن التقويم امر يجب ان نقوم به نحن في التجمع، انما كيف يقومنا الآخرون. وكان هناك تقويم خارجي دائما لعملنا. وهكذا كنا نستند إلى التقويم المستمر حتى نتمكن من رصد الفرص المتاحة لنا للعمل والتركيز على الدروس المستفادة وتطوير نقاط القوة في الاتجاه الصحيح”.
حتى آخر لحظة من حياتها كانت تأمل بانها ستعود الى العمل. واجهت الموت بعقلانية وكبر، على ما يقول من رافقها في ايامها الأخيرة. “حتى في أكثر لحظات حياتها صعوبة تقبلت مرضها”. كنا نشعر اننا متضايقين ومقهورين ولكننا لم نشعر بأنها ضعيفة. هي رسمت مسار حياتها وتقبلته، وان لم تكن قررت المرض انما واجهته بقوة ومن دون استسلام”. غير ان آخر ما كانت تتكلم عنه هو ضرورة الاستمرار في النضال من أجل اقرار قانون مدني للاحوال الشخصية.