الناشطة الكردية حنان عثمان: خصوصية الأكراد لا تُشكّل تهديداً لأي كيان

سلوى فاضل-(تحالف ندى)

حنان عثمان، ناشطة نسوية ومُؤسِسة رابطة “النوروز” الثقافية – الاجتماعية التي تهتم بالأكراد في لبنان، مهمتها بناء جسر للتواصل بين المكونات على الساحة اللبنانية من كرد وعرب وأرمن وسريان.

تأكيداً لمبدأ تداول السلطة، أجرت الرابطة التي تأسست في العام 2014 انتخاباتها الدورية، وأفضت الدورة الأولى إلى انتخاب جمال حسن رئيساً جديداً للرابطة وحنان عثمان نائبة للرئيس.

لا تترك عثمان نشاطاً يُبرّز دور الأكراد إلا وتساهم به، وآخرها الاعتصام أمام مبنى “الإسكوا” في بيروت تنديداً بمرور 25 عاماً على الإعتقال التعسفي للزعيم الكردي عبدالله أوجلان في سجن إمرالي في تركيا.

في هذا الحوار مع حنان عامد عثمان، نُسلّط الضوء على قضية الأكراد في لبنان والمنطقة.

الوجود.. الأصول

تقول عثمان إن تاريخ الوجود الكردي في لبنان “مهمٌ جداً برغم الإفتقار إلى دراسات وكتب تشرح وجودهم التاريخي، ويعتبر موضوع الأكراد لكثير من الكتّاب والباحثين أمراً غامضاً بعض الشيء، والسبب سياسي بالتأكيد لأن القضية الكردية تعرّضت للكثير من التشويه المُتعمد من قبل سياسيين ومثقفين وكتّاب بسبب نظرتهم القوميّة الضيقة والشوفينية الموجودة لديهم، فهذه النظرة بعيدة كل البعد عن الحقائق التاريخية والجغرافية”.

تُضيف: “أصل الأكراد في لبنان يعود لمئات السنين. فلدينا الرعيل الأول ممن هاجروا إلى لبنان وأتوا على مراحل ولأسباب مختلفة، وتوجد شريحة كبيرة جداً من الأسر الكردية التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ لبنان، وهي هاجرت على فترات مختلفة، منها أيام الغزوات الصليبية في القرن الرابع عشر، وقد أتوا مع صلاح الدين الأيوبي، واستقروا في عكار وطرابلس والضنيّة، وكانوا كقوة عسكرية وازنة يتولون حماية الأراضي والثغور الإسلامية. استقر عددٌ كبيرٌ من هؤلاء في لبنان، والكثير منهم أتى هرباً من الاضطهاد القوميّ والاجتماعي مع بداية القرن العشرين ولا سيما من الظلم والقمع والمجازر مع تأسيس الدولة التركية، وكانت لهم محطات في كل من مصر ولبنان والإردن. من هنا يوجد رعيل أول.. ورعيل ثانٍ”.

وتوضح عثمان أن معظم أكراد لبنان “يعود أصلهم إلى كردستان تركيا بولاية ماردين في تركيا، وأغلبيتهم من المسلمين السنّة وبنسبة 96% على المذهب الشافعي، وهم الكرمانج، يتحدثون الكرمانجية المنتشرة بولاية ماردين. وهناك أكراد من الإيزيدين الذين تمتد جذورهم إلى “زرادشت”، وهي الديانة التاريخية للشعب الكردي”.

تستدرك عثمان للقول إن الكرد في لبنان “يمارسون كافة المهن، وهم شعب نشيط جداً. قبل عقود من الزمن، لم يكن التعليم منتشراً بين أفراد الشعب الكردي، وبسبب تأثير الديانة الإسلامية كانوا يُرسلون أولادهم إلى مدارس الشيوخ لتعليمهم القرآن، لكن الوضع التعليمي تحسّن مع الزمن، فواكبوا تطور العلوم وتطوروا كبقية الطوائف في لبنان، فصارت نسبة التعليم جيدة وانخفضت نسبة الأمية”.

وبرغم المساهمات الكبرى لأكراد لبنان “في صناعة تاريخ هذا البلد منذ عهد الانتداب إلى يومنا هذا، إلا أن المواطنين الأكراد ظلوا محرومين من أبسط حقوقهم، ولا سيما حق المواطنة، الأمر الذي جعل شريحة كبيرة منهم مكتومة القيد ومحرومة من الجنسية اللبنانية”، تقول عثمان.

الحرب الأهلية.. والمقاومة!

تتحدث حنان عثمان عن العلاقة المتينة التي كانت وما تزال تجمع أكراد لبنان بأكراد كردستان، “فأكراد لبنان لم يقطعوا صلة الوصل مع موطنهم الأصلي، كانوا يواكبون الأحداث على الساحة الكردية، ولم يتغير شعورهم القومي بل راح يتطور مع الأيام، خصوصاً وأن الساحة اللبنانية كانت عاصمة الصحافة والإعلام وتحتضن معظم حركات التحرر الوطني، وبينها حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان، وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، حاول الأكراد عدم الانخراط قدر المستطاع، لكن هذا لم يمنع بعضهم من دعم أحزاب وشخصيات مثل وليد جنبلاط على خلفية أصول عائلته الكردية (جانبولاد)”.

قدّم مناضلون في “حزب العمال الكردستاني” حياتهم في سبيل القضية الفلسطينية من قلعة الشقيف بالجنوب (سقط حوالي 13 شهيداً في سبعينيات القرن الماضي هناك) إلى بيروت التي قاومت المحتل الإسرائيلي في العام 1982 “وتميز المقاتلون الأكراد بانخراطهم المبكر في أعمال المقاومة، وهذا الأمر تلحظه قلة ممن أرّخوا تاريخ المقاومة، فيما لا يُسلط أغلب المؤرخين اللبنانيين والفلسطينيين الضوء على هذه التضحيات لأسباب سياسية من أجل تشويه القضية الكردية، ولا يجب أن ننسى دور جهاز “الموساد” الإسرائيلي في اعتقال الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، ما يعني أن القضيتين التاريخيتين (الكردية والفلسطينية) متلازمتان إلى حد كبير ويجب إيجاد حلول لهما وإذا لم يتحقق ذلك بطرق سلمية وبالحوار السياسي لن يسود السلام في هذه المنطقة. وقد دعا السيد عبدالله أوجلان للحل من معتقله الموجود فيه منذ ما يقارب ربع قرن. لذا، ثمة قناعة لدى الشعب الكردي أن مفتاح الحل موجود في معتقل إمرالي”، تقول حنان عثمان.

جسر تواصل

وتشرح عثمان أن الشعب الكردي “مضياف ويتسم بصفات مميزة كحب الغير والخير والعطاء وكرم الأخلاق والوفاء، وكلها آتية من الحضارة والأخلاق الشرقية التي حافظوا عليها ولم يندمجوا بالعولمة، وهو شعب يحب المظلوم ويدافع عنه وهي من خصائصه الاجتماعية التاريخية العريقة”.

تضيف: “نحن كجمعيات كردية في لبنان نعمل على أن نكون جسر تواصل وتشبيك وتضامن وتأييد بين بعضنا البعض، حتى نكون سنداً في قضايانا المشتركة، ومواجهة ما يصيبنا من ظلم واعتداءات مشتركة. ونحن نحارب على أرضنا ضحايا الحرب، نحاول أن نكون يداً واحدة في مواجهة الرأسمالية المتوحشة والعدو الذي يريد تهجيرنا خارج بلدنا”.

مطالب الشعب الكردي

تأخذ حنان عثمان على بعض الفئات نظرتها الضيقة إلى القضية الكردية “سواء من قبل فئة من العروبيين الشوفينيين أو بعض غلاة القومية العربية وكأن الأكراد يريديون تجزئة الوطن العربي أو تقسيم المُقسم، وهذا غير صحيح. هناك تقصير بالاطلاع على القضية الكردية. وللاطلاع والتعرّف على مبادئ الأكراد يجب قراءة فكر عبدالله أوجلان الذي استعرض في أطروحته (مانيفستو الحضارة الديموقراطية) ومرافعاته (من 5 مجلدات ضخمة) الجوانب التاريخية وأسباب الصراعات والحروب التي نهشت الشرق الأوسط والوطن العربي والشعوب الموجودة فيه من عرب وكرد وسريان وأرمن، والأسباب هي الدولة القومية التي لم تأتِ من هنا، بل من الغرب وتم تطويرها وكأن هناك من أتى بها لتقسيم المُقسّم وايجاد حدود مصطنعة، ولنتخلى عن أصولنا والروابط المشتركة بيننا”.

بالنسبة إلى عثمان “أوجلان يطالب بكونفدرالية ديموقراطية وتعايش سلمي وحل تضمنه الإدارات الذاتية، وأن يتمتع الكرد بادارة أمورهم بشكل من أشكال الكونفدرالية، وكل شعب يتحدث بلغته ويمارس عاداته وثقافته، وهي أبسط الحقوق، أما أصحاب الرؤية الضيقة والسطحية فلا يرون حق الشعب الكردي بالعيش بكرامة على أرضه، بل يتهموننا تهماً باطلة من أجل تشويه مطالب الشعب الكردي، وهي مطالب مُحقة وعادلة”.

حرية أوجلان

اعتقال عبدالله أوجلان “تم بمؤامرة دولية إسرائيلية عبر الموساد والمخابرات الأميركية والاستخبارات التركية وعدد من الاستخبارات الدولية التي شاركت بالعملية لما يُشكل فكره من خطورة على الطبقة المسيطرة على العالم الرأسمالي الطبقي الأبوي الإمبريالي حتى يكملوا خططهم في تجارة الأسلحة ولكي يُشتتوا الموّحد ويُقسّموا المُقسم وبالتالي السيطرة ونهب خيرات الشعوب واستمرار عبودية المرأة. هم يُدركون أن فكر أوجلان يُشكّل خطراً عليهم، وعلى أنظمة الدول الأربع المُسيطرة على كردستان وخيراتها وشعبها، اضافة إلى أن هناك فكراً دولياً يُناقض فكر أوجلان الداعم لحرية كردستان وتحرّر المرأة والبيئة والعيش المشترك وإخوّة الشعوب”.

وتعتبر أن الإفراج عن أوجلان “يحتاج قراراً دولياً وإقليمياً ولا يتم هذا إلاّ بحل القضية الكردية. فمفتاح الحل هو في إمرالي”.

وتقول عثمان إن الغرب لطالما كان يتغنى بقيم ومثل عليا ومبادى وأخلاقيات وحقوق الإنسان “إلا أن هذه كلها تلاشت تحت ركام غزة. ما يعطينا الأمل بتحرر السجناء وأولهم أوجلان، هو فرض نظام عادل يوفر السلام لشعوب المنطقة كلها.. وهنا تكون بداية تحرر الزعيم الكردي أوجلان”.

الأحزاب الكردية

وماذا عن الجمعيات الثقافية والاجتماعية الكردية في لبنان؟

تجيب عثمان أن الأكراد “ينتمون إلى هذه الجمعيات، ولكن لا أعضاء حزبيين بين أكراد في لبنان. هم يدعمون “حركة التحرر الوطني” بقيادة عبدالله أوجلان، وهم ينتمون إلى جمعيات ومنظمات ثقافية واجتماعية في لبنان، وهناك مؤيدون للحزب الوطني الكردستاني، لكن في الفترة الأخيرة تراجعت نسبة تأييدهم لهذا الحزب لأسباب عديدة”.

ورداً على سؤال تقول عثمان “مثل معظم الجاليات الموجودة في لبنان ومنها الأرمن والسريان والأشوريون، تنخرط الكرديات في الشأن العام بأشكال عدة، ومؤخرا من خلال الترّشح للإنتخابات. لذا، كنت أول مرشحة كردية تخوض الانتخابات النيابية عام 2018. وهذا يفتح الباب للأخريات، ولكل الكرديات، من أجل لعب دور في تطوير اللغة والثقافة الكردية والفنون والحقوق والسياسة”.

الجنسية.. وطموحات الأكراد

وماذا عن الطموحات الكردية الوطنية؟

“أن يكون لهم وجودهم، وأن يعيشوا بهويتهم، وبكرامتهم، وبثقافتهم، وليس من الضروري أن يكون لهم كيان كردي سياسي، لكن أن يتم بالبلاد التي يعيشون بها الاعتراف بالهوية واللغة والثقافة الكردية، وأن تكون هناك شبه استقلالية، وإدارة ذاتية، وأن يتم شرح التاريخ الكردي في المدارس. وهذه الأمور لا تصب ضد وحدة الدولة أو تشكل تهديداً للكيان، إذ هناك إدارات كثيرة مستقلة لا تهدد سلطة الدولة. ومن الصعوبة وجود كردستان موّحدة بين 4 دول تم تقسيمها بموجب معاهدة سايكس-بيكو. ونتمنى أن يتم اعطاء الشعوب الكردية حقوقها، وأن يتم الاعتراف بالهوية والأعياد. ونحن على أبواب عيد “النوروز”، وهو عيد وطني كردي كنا نحتفل به بالسر في الجبال والكهوف، ومؤخرا تم الاعتراف به، وما يزال هناك شهداء يسقطون في هذا العيد حيث يتم اشعال النار التي ترمز إلى الحرية”.

وتتحدث عثمان عن وجود عدد كبير من الأكراد اللبنانيين “من حملة الوثائق (قيد الدرس) وإلى الآن لا تنظر السلطة إلى مصير هؤلاء لأسباب طائفية، وعلى الدولة أن تنظر بإنصاف لهم، فهم أصحاب جهود ومشاركات في صنع المجتمع والتاريخ اللبناني. الكردي ليس بوافد جديد لكنه لا زال إلى اليوم يحمل وثيقة (قيد الدرس) وعلى السلطة اللبنانية حلّ هذا الملف”.

معاناة النازحين

“اللاجئون الكرد من سوريا وضعهم مختلف قليلاً عن النازحين السوريين الآخرين، فهم لم يعيشوا في الخيم، ولا يتكلون كثيراً على المساعدات، وكانوا يعملون في لبنان قبل الأزمة السورية وأوضاعهم مختلفة بعض الشيئ عن باقي السوريين النازحين إلى لبنان. كجمعيات كردية وبالتنسيق مع الجمعيات الشبيهة الأخرى، نعمل على اعادتهم إلى بلادهم وأغلبيتهم يسعى للعودة إلى مناطقهم في شمال شرق سوريا، وهم ليسوا كثر مقارنة بالسوريين غير الأكراد. وهذا لا يمنع أنهم يعانون، ونحن نلتقي بالكثيرين منهم في مراكزنا برابطة “نوروز”، ويخبروننا عن حجم معاناتهم من العنصرية بمجرد معرفة انهم من السوريين. طبعاً يتغير الموقف لمجرد معرفة أنهم أكراد، وكثر منهم تصله مساعدات من أولادهم بالخارج، وأيضا يعملون في لبنان، فلا يشكلون عبئاً على المجتمع اللبناني”، تقول حنان عثمان.

الجالية الكردية في لبنان “تتميز بشعور قومي يربطها بأهلها وأقربائها وأجدادها في كل من تركيا وكردستان العراق وسوريا وإيران، وهؤلاء يرتبطون بجذورهم، وهم يتابعون أخبار جميع الساحات الكردية. تابعوا مثلا قصة الإيرانية الشابة مهسا أميني، فكل ما يصيب الأكراد في العالم يـتأثر به أكراد لبنان، كما حدث في (سنجار/شنغار) حيث تم بيع وسبي النساء في القرن الواحد والعشرين”، تختم حنان عثمان حديثها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.