تقرير تحالف ندى بمناسبة مرور 25 عاماً  على القرار الأممي 1325 النساء السلام والأمن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

 

خمسة وعشرون عاماً مضت على صدور القرار الأممي 1325 حول المرأة والسلام والأمن، الذي مثّل لحظة تاريخية في مسار الاعتراف بالدور الجوهري للنساء في بناء السلام وحمايتهن من آثار النزاعات المسلحة.

ومع ذلك، فإن واقع النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما زال يبتعد كثيراً عن الأهداف التي نص عليها القرار. فالحروب المستمرة، واحتلال الأراضي، وتصاعد النزاعات الأهلية، وتنامي السلطوية والتطرف، أدت جميعها إلى تهميش النساء واستهدافهن بشكل مباشر في أجسادهن وأدوارهن الاجتماعية والسياسية.
تشير التقارير الدولية إلى أن أكثر من 62% من نساء المنطقة يعشن اليوم في دول تشهد نزاعات مسلحة أو أزمات سياسية حادة، وأن نحو 11.7 مليون امرأة وفتاة نزحن داخلياً في سوريا واليمن والسودان والعراق وفلسطين.

كما تشكل النساء نصف عدد اللاجئين في المنطقة، ويُقدر عددهن بأكثر من 14 مليون لاجئة، بحسب تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2024.

وفي الوقت نفسه، تتعرض امرأة من كل ثلاث نساء لأحد أشكال العنف الجسدي أو الجنسي، في حين تعاني 40% من النساء في مناطق النزاعات من انعدام الأمن الغذائي، ويفتقر أكثر من 28 مليون امرأة إلى سبل العيش الآمن، وفق تقارير البنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
في فلسطين، تتجسد المأساة بأقسى صورها. فمنذ أكتوبر 2023 وحتى منتصف 2024، استُشهدت أكثر من 10,000 امرأة وفتاة، وتعرضت ما يزيد عن 700 امرأة للاعتقال، فيما تعيش أكثر من 80% من النساء في قطاع غزة تحت خط الفقر وتعاني تسع نساء من كل عشر من انعدام الأمن الغذائي.

كما تُقدّر المنظمات الطبية أن حوالي 60% من الحوامل في غزة لا يحصلن على الرعاية الطبية اللازمة بسبب الحصار وانهيار النظام الصحي.

ومع ذلك، تواصل النساء الفلسطينيات لعب أدوار محورية في الصمود، والإغاثة، وتنظيم المجتمعات في ظل الإبادة والاحتلال.
أما في سوريا، وبعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من الحرب، فقد نزحت 6.7 ملايين امرأة وفتاة داخلياً ، بينما تعيش أكثر من 80% من الأسر التي ترأسها نساء في حالة فقر مدقع.

كما ارتفعت معدلات زواج القاصرات بنسبة 25% منذ عام 2011، وفق صندوق الأمم المتحدة للسكان. وفي المقابل، مثّل مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا نموذجاً فريداً في إشراك النساء في الإدارة والمجتمع، إذ تشغل النساء نحو 50% من المناصب في المجالس والإدارات المحلية، ويُعتبر هذا التحول أحد أبرز إنجازات الحركات النسائية التحررية في المنطقة.
في السودان، تواجه النساء واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم بعد اندلاع الحرب في نيسان 2023. فقد نزح أكثر من 7.3 ملايين امرأة وفتاة، وتعرضت الآلاف منهن للعنف الجنسي كسلاح حرب. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 1 من كل 4 نساء في مناطق النزاع فقدت أحد أفراد أسرتها، وأن 4 ملايين امرأة يعانين من سوء تغذية حاد. وتصف منظمات حقوق الإنسان الوضع بأنه “حرب تُشن على أجساد النساء وكرامتهن”.
وفي اليمن، أدت الحرب المستمرة منذ عام 2015 إلى واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيداً . يعيش أكثر من 73% من النساء في فقر شديد، بينما تحتاج 8.6 ملايين امرأة وفتاة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. كما تشير تقارير “أوكسفام” إلى أن نسبة وفيات الأمهات أثناء الولادة ارتفعت بنسبة 44% خلال العقد الأخير بسبب انهيار النظام الصحي، في حين ازدادت ظاهرة تزويج الطفلات بنسبة 35%.
أما العراق، فعلى الرغم من تحسن نسبي في بعض المؤشرات بعد هزيمة تنظيم داعش، إلا أن النساء ما زلن يعانين من تداعيات الحروب والعنف الطائفي والاقتصادي. تفيد تقارير رسمية بأن نحو 1.2 مليون امرأة ما زلن نازحات، وأن 17% من العراقيات تعرضن للعنف الأسري خلال العامين الأخيرين، بينما لا تتجاوز نسبة تمثيل النساء في مراكز صنع القرار 15%. وتبقى آثار الصراعات السابقة، إلى جانب الفساد والتهميش، عقبات أمام التمكين الحقيقي للمرأة العراقية.
في أفغانستان، تواجه النساء والفتيات قيوداً شديدة منذ استيلاء طالبان على السلطة، حيث تم حظر التعليم الثانوي والجامعي على الفتيات، وتُفرض قيود صارمة على عمل النساء والمشاركة في الحياة العامة. وتشير بيانات Women, Peace and Security Conflict Tracker إلى أن نسبة النساء القادرات على الوصول إلى الحقوق والقرار لا تتجاوز 17.3٪، بينما تسعة من كل عشرة أسر تقودها نساء نازحات أو عائدات تعاني من انعدام مأوى دائم، مما يزيد هشاشة النساء اقتصادياً واجتماعياً.

في إيران، تواجه النساء قمعاً قانونياً واجتماعياً متزايداً ، إذ سجلت البلاد 31 حالة إعدام لنساء في عام 2024 ضمن إجمالي 901 إعدام، ووضع مؤشر Women, Peace & Security Index إيران في المرتبة 140 من أصل 177 دولة بمستوى تقدير 0.557، ما يعكس محدودية شمول النساء وتحقيق الأمن لهن. أما في تركيا، ورغم وجود تشريعات نسبية لحماية حقوق النساء، فإن انسحاب البلاد من اتفاقية إسطنبول أدى إلى ارتفاع العنف الأسري والتحرش، مع ضعف فعلي في المشاركة النسائية في مواقع صنع القرار، حيث جاءت تركيا في مؤشر WPS في المرتبة 99 عالمياً، ما يبيّن استمرار التحديات في حماية النساء وتعزيز دورهن السياسي والاجتماعي.
وفي تونس ومصر، ورغم الاستقرار النسبي، إلا أن النساء ما زلن يواجهن تحديات بنيوية تتعلق بالمشاركة السياسية والعنف المبني على النوع الاجتماعي. في مصر، تُظهر تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن نسبة البطالة بين النساء تصل إلى 21%، أي ثلاثة أضعاف نسبتها بين الرجال، فيما أظهرت دراسة للأمم المتحدة أن أكثر من 30% من النساء تعرضن لشكل من أشكال العنف الأسري.

أما تونس، التي كانت رائدة في التشريعات النسوية، فتواجه اليوم انتكاسة تدريجية، إذ ارتفعت معدلات العنف ضد النساء بنسبة 60% منذ عام 2021، بينما تراجع تمثيل النساء في البرلمان إلى 25% فقط.
ورغم هذا المشهد القاتم، تبرز مبادرات نسائية ثورية في المنطقة تُعيد الاعتبار للمرأة كفاعل مركزي في بناء المجتمعات.

من هذا المنطلق، أننا في تحالف ندى نرى أن مرور خمسةٍ وعشرين عاماً على القرار 1325 يستدعي مراجعةً نقديةً جذريةً لآليات تطبيقه في المنطقة، إذ لم تُترجم الالتزامات الدولية إلى واقع ملموس.

إن التحالف يؤكد أن تحقيق السلام المستدام لا يمكن أن يتم دون النساء، وأن إشراكهن ليس مجرد استحقاق شكلي، بل هو شرط أساسي لبناء أمنٍ إنساني شامل.

كما يدعو إلى الاعتراف بالنماذج النسائية الديمقراطية المحلية، وتعزيز التعاون الإقليمي بين الحركات النسائية، وتبني رؤية نسوية شاملة تتجاوز الحدود السياسية والإثنية، وتستند إلى مبادئ الحرية، الكرامة، والعدالة الاجتماعية التي يقوم عليها تحالف ندى.

رغم مرور خمسة وعشرين عاماً على اعتماد قرار مجلس الأمن 1325 حول «المرأة والسلام والأمن»، لا تزال مشاركة النساء في عمليات السلام وصنع القرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا محدودة للغاية، مقارنة بالمستويات العالمية.

بحسب تقرير UN Women 2024 «Facts & Figures»، يبلغ متوسط نسبة النساء عالمياً في مفاوضات السلام 7% كمفاوضات و14% كميسّرات، بينما في المنطقة العربية النسبة أقل أو شبه معدومة في الكثير من الحالات، وفقاً لتقرير Ballard Brief حول التمثيل النسائي في عمليات السلام.
في سياق النزاعات المسلحة، تواجه النساء معاناة متعددة الأبعاد؛ العنف الجنسي، التهجير القسري، فقدان الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، وانعدام حماية العدالة.

هذه الأزمات تتشابه بين سوريا، اليمن، فلسطين، السودان،إيران ، أفغانستان بالإضافة إلى العراق، تونس، تركيا، ومصر، حيث تتحمل النساء أعباء إضافية تشمل رئاسة الأسر، انقطاع التعليم، الحرمان من فرص العمل والدخل المستقر، مما يزيد من هشاشتهن ويقوّض مشاركتهن الاقتصادية والاجتماعية.
البعد الثقافي والاجتماعي يشكل عائقاً إضافياً أمام التمكين الفعلي للنساء. وفقاً  لتقارير Ballard Brief، تشير المسوح إلى أن 70–90% من الرجال في بعض مناطق الشرق الأوسط يرون أن الدور الأساسي للمرأة يقتصر على رعاية المنزل، بينما تبقى القدرة على المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية محدودة.

كما يُظهر الواقع أن غياب الاعتراف الرسمي بدور المرأة كشريكة فاعلة في صناعة القرار يكرّس الفجوة بين المبادئ الدولية والواقع المحلي، ويحد من فرص بناء سلام مستدام.

ختاماً، يظهر من التحليل المقارن أن واقع النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يزال رهين دوائر العنف البنيوي، والتمييز الاجتماعي، والإقصاء من مواقع القرار، رغم مرور خمسةٍ وعشرين عاماً على قرار مجلس الأمن 1325.

فبينما يُفترض أن تكون النساء في صلب عمليات السلام، ما زلن في الغالب ضحايا للحروب لا شريكات في إنهائها. تكشف الأرقام عن فجوة عميقة بين الخطاب الدولي حول “المرأة والسلام والأمن” وبين التطبيق العملي في المنطقة، حيث تُهمَّش النساء في عمليات التفاوض وصناعة القرار، ويُغيب حضورهن عن مؤسسات العدالة الانتقالية، فيما تُضاعف الأزمات الاقتصادية والبيئية هشاشتهن.
إن التجارب الميدانية من سوريا إلى السودان، ومن فلسطين إلى اليمن، مروراً بالعراق وتونس ومصر، تؤكد أن النساء لا يفتقدن الكفاءة ولا الإرادة، بل يفتقدن الاعتراف بدورهن كشريكات في صياغة المصير المشترك. ومن هذا المنطلق، يرى تحالف ندى أن تحقيق سلام حقيقي ومستدام لن يكون ممكناً ما لم يُبنَ على أساس المساواة الجندرية، والمشاركة الفاعلة للنساء في جميع مستويات صنع القرار.

فالمجتمعات التي تهمّش نساءها تُعيد إنتاج العنف، أما التي تُطلق طاقاتهن فإنها تفتح أبواب العدالة، وتُرسّخ أسس السلام الإنساني القائم على الحرية والكرامة والمواطنة.

لجنة الأمن والسلام – تحالف ندى
4 نوفمبر 2025

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.