تصفية علنية للنساء في سوريا وتواطؤ مؤسسي من قبل أجهزة الدولة

بيان إلى الرأي العام
تحالف ندى
في سوريا، تُرتكب جرائم مروّعة بحق النساء والفتيات . لا نتحدث هنا عن انتهاكات فردية معزولة، بل عن نمط ممنهج ومتكرر من العنف القائم على النوع الاجتماعي، تمارسه فصائل مسلحة تابعة للحكومة الانتقالية، وتُرتكب في مناخ من الإفلات التام من العقاب، وبدعم سياسي وأمني مباشر أو ضمني. تتزايد حالات الخطف، الاغتصاب، الإخفاء القسري، والتصفية الجسدية، خصوصاً بحق النساء من المكونات الدينية كالعَلويين، الدروز ، في جرائم لا تستهدف فقط كرامتهن وإنسانيتهن . ويُضاف إلى بشاعة هذه الجرائم، محاولات مستمرة لتسييسها وتشويه حقيقتها، عبر الترويج لروايات زائفة عن “خلافات عائلية” أو “سلوك فردي”، في مسعى واضح لتضليل الرأي العام وحماية الجناة وترويع الضحايا ومنعهن من الكلام أو المطالبة بحقوقهن. تُمارَس هذه الجرائم8 في سياق حرب ضد الحقيقة وتواطؤ مؤسسي من قبل أجهزة الدولة التي توفر غطاءً للمجرمين، بدلاً من محاسبتهم
إن قضية النساء المختطفات في سوريا لم تعد فقط قضية حقوقية، بل أصبحت اختباراً سياسياً وأخلاقياً للحكومة الانتقالية نفسها، التي ما زالت تتجاهل بشكل ممنهج نداءات عشرات التقارير والشهادات الموثقة من منظمات محلية ودولية، وتتعمّد تغييب هذه القضية عن أي مسار للمحاسبة أو الاعتراف. هذا التجاهل لا يفرغ العدالة من معناها فحسب، بل يُكرّس نموذجاً دموياً يُشرعن اختطاف النساء وتغييبهن واغتصابهن، ويحوّل أجسادهن إلى ساحة صراع وصمت، بدلاً من أن يكنّ شريكات في بناء المجتمع. المختطفات السوريات اليوم لا يُنظر إليهن كناجيات أو صاحبات قضية، بل يُراد لهن أن يُنسين، أن يُدفنّ في السرديات الرسمية، أو يُستخدمن كورقة مساومة في مفاوضات سياسية لا تعترف حتى بوجودهن. أما من نجت منهن، فتمشي مثقلة بالعار المصنّع، محاصَرة بالوصمة والتهديد والتجاهل، في مجتمع لا يزال يعاقب الضحية بدل الجاني.
إننا في تحالف ندى نرفض هذا الصمت، وندينه بشدة، ونؤكد أن قضية النساء المختطفات في سوريا هي قضية مركزية لا تقبل التأجيل أو التجاهل، وهي مرآة لواقع العنف السياسي الممنهج ضد النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. نؤمن أن غياب العدالة للنساء لن يُنتج سلاماً ، وأن أي عملية سياسية لا تضع هذه الانتهاكات في صلب أولوياتها، هي عملية مفرغة من المضمون. وأن ما يحدث في سوريا ليس استثناءً، بل حلقة ضمن سلسلة من أنماط العنف الممنهج ضد النساء في مناطق النزاع في منطقتنا، من فلسطين إلى اليمن، ومن السودان إلى ليبيا. والسكوت عن هذه الجرائم يُهدد نساء المنطقة جميعاً ، ويُعيد إنتاج أشكال أعمق من القمع والقهر والعنف الهيكلي. لا عدالة بلا مساءلة، ولا كرامة في ظل الإفلات من العقاب. أجساد النساء ليست ساحات للحروب، وحقوقهن ليست منة أو هامشاً . المختطفات لسن مجرد ضحايا، بل هنّ شاهدات على جرائم لن تُطمس، وصاحبات حق لن يُنسى. تحالف ندى، سيظل صوتهن، وعدالتهن بوصلته، حتى تتحقق الحقيقة والمحاسبة والحرية.
بناءً على ما سبق، وانطلاقاً من مسؤوليتنا الأخلاقية والحقوقية والنسوية، نؤكد أن ما تتعرض له النساء والفتيات في سوريا من اختطاف واغتصاب وإخفاء قسري وقتل، هو ليس فقط جريمة بحقهن، بل تهديد صارخ لجوهر العدالة وكرامة الإنسان في المنطقة بأسرها. وعليه، فإننا نطالب بما يلي:
1. فتح تحقيق دولي عاجل، مستقل وشفاف، تحت إشراف الأمم المتحدة، بشأن جرائم الخطف، الاغتصاب، الإخفاء القسري والقتل التي تستهدف النساء في سوريا، وتوثيقها بوصفها جرائم ممنهجة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
2. الاعتراف العلني والرسمي بهذه الجرائم من قبل جميع الأطراف السياسية والجهات المعنية، ورفض كل أشكال التواطؤ أو التستر أو تسييس هذه القضايا عبر روايات زائفة تُستخدم لإخفاء الحقيقة وتهديد حياة الضحايا.
3. محاسبة جميع المسؤولين والمتورطين في ارتكاب هذه الجرائم أو التستر عليها، أفراداً كانوا أو جماعات، بمن فيهم من يوفر لهم الدعم السياسي، الأمني أو الإعلامي، وذلك عبر آليات عدالة وطنية ودولية عادلة وشفافة.
4. توفير حماية فورية وشاملة للنساء والفتيات في مناطق النزاع، وضمان وصولهن الكامل والآمن إلى الخدمات الطبية، والدعم النفسي، والمساعدة القانونية، دون أي قيود أو تمييز.
5. دعم وتمكين المنظمات النسائية السورية والإقليمية الفاعلة في مجالات التوثيق والمرافعة والمساءلة، وضمان مشاركتهن الفاعلة في جميع مسارات العدالة الانتقالية والحوارات السياسية المتعلقة بمستقبل البلاد.
6. الضغط على لجنة تقصّي الحقائق الدولية لتوسيع نطاق عملها ليشمل بشكل صريح ومنهجي الانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي، لا سيما قضايا العنف الجنسي ضد النساء والمختطفات، وإدراجها ضمن أولويات تقاريرها وتوصياتها الرسمية.
إن هذه المطالب ليست مجرّد نداءات حقوقية، بل هي واجبات إنسانية وقانونية عاجلة، يجب أن تتحمّلها جميع الأطراف السياسية الدولية والإقليمية، إذا ما أرادت أن تضع حداً لدوامة العنف والإفلات من العقاب، وأن تؤسس لعدالة حقيقية تضع النساء في قلب الحل، لا على هامشه.
تحالف ندى
18 أكتوبر 2025

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.